السيد القائد: فرز المواقف وإسقاط الذرائع
موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي
تعد كلمة السيد القائد بمنزلة خارطة سياسية واستراتيجية واضحة لفهم الأبعاد الحقيقية للصراعات التي تعصف بالمنطقة. تحمل الكلمة رؤية شاملة تلقي الضوء على جذور المشروع الأمريكي الصهيوني وأهدافه، هذا المشروع الذي يستهدف تفتيت العالم الإسلامي والسيطرة عليه لتحقيق مصالحه التوسعية. ولعل التركيز على مواقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان محوراً مهماً في الكلمة، حيث أشارت إلى السياسات الأمريكية المثيرة للجدل والمرفوضة عالمياً، ما يجعلها منطلقاً مهماً للدعوة الى توحيد الجهود الإسلامية والعربية والفلسطينية في سياق مواجهة المشروع الصهيوني العازم على التهام المنطقة وفق خطوات تدريجية لا تستثني بلداً عربياً في سياق المسابقة على الاستحواذ عليها كتركة بلا راع من حقيقة أنها أوطان بلا سيادة.
الصراع مع المشروع الأمريكي الصهيوني
من جديد ومن زوايا عميقة يسلط السيد القائد الضوء على المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يتغلغل في جسد العالم العربي والإسلامي بهدف السيطرة على مقدراته، والقضاء على هويته وتعطيل محاولات النهوض وفرص الاستنهاض النادرة، وأوضح أن هذا المشروع لا يقتصر فقط على الاحتلال المباشر، بل يتنوع في أساليبه وأدواته ليصل إلى مستويات غير مسبوقة من الحرب الإعلامية والاقتصادية والسياسية، هذا المشروع يؤكد السيد أنه يعتمد بشكل كبير على زرع الفتن بين الشعوب الإسلامية لإضعافها داخلياً ومنعها من مواجهة الخطر الأكبر الذي يمثله النظام الصهيوني وحلفاؤه.
وبأثر رجعي من الحالة اليمنية قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر يعيد السيد التأكيد والإشارة بشكل مباشر إلى أن الصراع مع هذا المشروع ليس صراعاً عسكرياً فقط، بل صراع وجودي يطال كل جوانب الحياة، حيث يتم توظيف أدوات مثل الفتن الطائفية، تدمير الاقتصاديات، وفرض الهيمنة السياسية بهدف تقسيم الدول الإسلامية إلى دويلات صغيرة تعاني من الشتات الداخلي، في الوقت الذي ينعم فيه الكيان الصهيوني بفوائد هذا الانهيار.
الدور السعودي السلبي في مشرحة الخطاب الاستنهاضي
في كلمته، سلط السيد القائد الضوء بشكل واضح على الدور السلبي للنظام السعودي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو دور يتناقض مع التوقعات التاريخية للمملكة كقائدة للأمة الإسلامية وحامية للمقدسات الإسلامية. السيد القائد قدم نقداً مفصلاً لمواقف السعودية، مشيراً إلى أنها لم تتخذ خطوات عملية لدعم الشعب الفلسطيني، بل على العكس، أظهرت تهاوناً بل تواطؤاً مع المشروع الصهيوني.
وفي سياق خطاب استنهاضي يهدف إلى تحفيز الأمة الإسلامية على اتخاذ مواقف أكثر حزماً وإيجابية في مواجهة العدوان الإسرائيلي وجه السيد نقداً موضوعياً الى السعودية مذكراً بجملة من المواقف كان بإمكانها عبر القيام بها اسقاط الحد الأدنى من الواجب عليها والمسؤولة عنه:
ذكر السيد القائد أن النظام السعودي استضاف عدة قمم لإصدار بيانات تدعم القضية الفلسطينية، لكنه لم يتخذ أية خطوات عملية لتحويل هذه البيانات إلى أفعال ملموسة. وأشار إلى أن الخطوة البسيطة المتمثلة في حظر الطيران الإسرائيلي من استخدام الأجواء السعودية كانت خطوة متاحة ويمكن أن تكون ذات تأثير كبير على “إسرائيل”. وضرب مثالاً بسلطنة عمان التي قامت بذلك بالفعل، ما أثار انزعاج العدو الإسرائيلي.
وهنا يستخدم السيد المثال العماني ليقارنه بعدم تحرك السعودية، بهدف إظهار أن الخطوات العملية ليست مستحيلة، بل هي ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية، كاشفاً عن ماهو أبعد من التماهي في الدور السعودي إزاء قضية دوافعها في المقام الأول إنسانية قبل كل شيء.
ثم يشير السيد إلى أن النظام السعودي لم يمنع حتى تدفق الصهاينة إلى أراضي المملكة، بل على العكس، سمح لهم بالدخول والاحتفال في عقر دارها، بينما كان العدوان الإسرائيلي على أشده في قطاع غزة. مشيراً إلى أن مقاطع الفيديو التي تنشرها المجموعات الصهيونية في الرياض وغيرها من المدن السعودية، والتي تظهرهم وهم يرقصون ويحتفلون في مشهدً مناقض لكل القيم الدينية والشعارات الإسلامية التي يرفعها حكام أرض الحرمين!!
هذا اللفت الذهني يهدف إلى تحفيز الشعوب الإسلامية على المطالبة بمواقف أكثر وضوحاً وحزماً من قياداتها، خاصة في ظل واحدة من أسوأ الجرائم الصهيونية التي ارتكبها في تاريخه الدموي.
ثم يشير السيد إلى أن السعودية تستمر في تصنيف حركة حماس وكتائب القسام كمنظمات إرهابية، رغم أن هذه الحركات تقاوم الاحتلال الإسرائيلي وتدافع عن حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية، وذكر أنه كان بإمكان السعودية أن تلغي هذا التصنيف كخطوة رمزية لدعم المقاومة الفلسطينية، لكنها لم تفعل. كذلك، لم تفرج عن معتقلي حماس الذين لا زالوا في السجون السعودية دون أي تهمة واضحة سوى موقفهم ضد العدوان الإسرائيلي.
يستخدم السيد القائد هذه النقطة ليعطي مثالاً آخر على الخطوات البسيطة التي كان يمكن للسعودية اتخاذها لدعم المقاومة الفلسطينية، لكنها لم تفعل.
في سياق كاشفٍ أكثر يضع السيد النظام السعودي عارياً أمام الشعوب المسلمة. مجدداً وضع اليد في موقع الخلل الحقيقي حين أبرز أن عدم التحرك ليس بسبب عدم وجود خيارات، بل بسبب غياب الإرادة السياسية المصادرة فعلاً بحكم القبول بالهيمنة الأمريكية، الهيمنة التي تحرر منها الشعب اليمني بفضل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، والتي أتاحت لليمن لعب دور محوري في قضايا الأمة يستحيل على شعب تحكم أمريكا السيطرة عليه أن يؤديه.
مواقف ترامب فرصة لتجديد الموقف
ركز السيد القائد على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوصفها نموذجاً صارخاً للشراكة الأمريكية الكاملة والمتبنة للمشروع الصهيوني، فقد كانت فترة ترامب القصيرة بعد أيام من توليه مرحلة تاريخية مليئة بالقرارات المستهجنة دولياً، التي أكدت الانحراف الأخلاقي والسياسي للإدارة الأمريكية في ما يتعلق بقضايا مصيرية وبحقوق دول أخرى ليست إسلامية. ثم يلفت السيد مستدركاً “كيف سيكون الحال مع أمتنا الإسلامية التي يصنفها الأمريكي عدوة له!”
وكان خطاب السيد مملوءاً بالمؤشرات التي يمكن استخلاصها من فترة حكم دونالد ترامب في أيامها القليلة الماضية، والتي مثلت ذروة الهيمنة الأمريكية العلنية في دعم الكيان الصهيوني. فالسياسة الأمريكية بقيادة ترامب أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة ليست طرفاً يمكن الاعتماد عليه بقدر ما هي شريك متشدد في المشروع الصهيوني، وهي في سبيل ذلك مستعدة لاتخاذ أي خطوات، حتى وإن كانت مخالفة للقانون الدولي، لضمان استمرار هذا المشروع التوسعي الأخطر على العالم الاسلامي والعربي.
وأشار السيد القائد إلى أن مواقف ترامب، والتي أثارت غضباً شعبياً ودولياً، قد أسهمت في تعرية الولايات المتحدة وكشف زيف الدعوات الأمريكية إلى العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان. بل إنها أبرزت حقيقة الولايات المتحدة كجزء من المشروع الصهيوني، وأن المشروع هو أصلاً جزء من الاستراتيجيات الثابتة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مع فارق أن ترامب اليوم كشف جملة ما يسعى إليه غيره من الرؤساء الأمريكيين لا تجزئة.
والأهم في كلمة السيد أنه دعا إلى اتخاذ هذا الموقف الترامبي الفاضح، وعن حالة الإنكار والاستهجان الدولي التي أثارها، دعا السيد إلى استغلالها لتوحيد الجهود الإسلامية والعربية والفلسطينية لتعزيز حظوظ المواجهة العربية مع المشروع الصهيوني. يقول السيد في هذا السياق:
(أمام هذه الغطرسة الأمريكية، وأمام هذا العدوان الأمريكي والتنكر البشع المستهجَن من كل العالم، يجب أن يكون هناك توحد على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، الدول الأخرى على المستوى العالمي، تستهجن الطرح الأمريكي وتنتقده، لكن لن يرجى استهجانها إلى موقف عملي، هذه المهمة هي مهمة من؟ هي مهمتنا نحن المسلمين.
إذا كنا ننتظر من الصين أو من الأوروبيين، أو ننتظر من روسيا، أو ننتظر من أي بلد في العالم. أن يقاتل ضد الإسرائيلي وضد الأمريكي على فلسطين، هذا وهم وسراب الآخرون موقفهم السياسي والإعلامي قد يصل احياناً إلى مستوى متقدم على مستوى خطوات اقتصادية، كما في بعض الدول الأوروبية، لكن الموقف القوي هو في عهدة المسلمين والعرب، يجب أن يتوحد الجميع على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، وأن يكون لهم موقف حاسم تجاه التوجهات الأمريكية، وبإمكان الجميع، إذا استعانوا بالله ووحدوا موقفهم، أن يُفشلوا التوجه الأمريكي. يعني البعض يتصور أن أمريكا إذا أرادت شيئاً، فإنما تقول له “كن فيكون”).
يجدد السيد التأكيد على ضرورة استثمار اللحظة الراهنة والانطلاق منها لجولة جديدة من المواجهة يفصل أكثر بالقول:
(الظروف مواتية بعد أن وصل الأمريكي إلى هذا المستوى من الانكشاف والفضيحة وطلب المستحيل، الظروف مواتية للعرب، للمسلمين، للفلسطينيين، أن يتوحدوا في موقفهم هذا ضد مساعي أمريكا لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة ومن الضفة، ومن أي بقعة في فلسطين، هذه مسألة مهمة).
على أمل النهوض.. الدعوة من جديد
يتضح من خطابات السيد القائد -سيما خطابه الأخير- حقيقة أن الأمة العربية والإسلامية تقف أمام تحدٍّ مصيري يستهدف وجودها وهويتها، من واقع أن المشروع الأمريكي الصهيوني يتخذ أشكالاً متعددة من السيطرة والهيمنة عبر أدوات متكاملة، من بينها أساليب التضليل وأدوات الخداع والحروب الناعمة، موضحاً أنه مشروع يعتمد في توسعه على حالة الغباء العربي لدى الأنظمة والنخب التي ترى فيها صديقاً حميماً رغم ما يُبديه ويكشف عنه من نواياه الخبيثة ومشاريعه التوسعية، بالإضافة إلى التخاذل العربي الرسمي والاختلافات الداخلية لتأمين بقائه، ولم يغلق السيد الباب بل هو فاتحه ببصيرة من القرآن حين يجدد الدعوة اليه باعثاً برسالة أمل للشعوب الإسلامية، بأن التمسك بالمبادئ والقيم الإيمانية في إطار عمل جماعي، والوعي بحقيقة المخططات العدائية هي أدوات أساسية تمكن الأمة من قلب المعادلة والانتصار في هذا الصراع.