مولد النبي الأكرم و الرعاية الإلهية المواكبة لنشأته المباركة

 

رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، من نسل نبي الله إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ونبيه، ولد في مكة بشعب بني هاشم، ولدته أمه (آمنة) الشريفة، وآمنة هذه كانت سيدة نساء قريش، ولها منزلتها الكبيرة فيما عُرِفت به من: طهارة، وعفة، وصلاح، وكذلك أسرتها (بنو زهرة) حيٌ من أفضل أحياء العرب، خيرة أحياء قريش، فآمنة بنت وهب ولدته كما في كثيرٍ من الروايات والأخبار، وكما هو شبه مُجمَعٍ عليه عند أكثر المؤرخين وأصحاب السِيَّر، في شهر ربيعٍ الأول، الأكثر على أن ولادته “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في الثاني عشر من شهر ربيع، وهذا القول يقول به أكثر المؤرخين وأصحاب السيّر من معظم المذاهب الإسلامية، والبعض منهم ذهبوا إلى أنه وُلدَّ يوم الجمعة في السابع عشر من شهر ربيعٍ الأول، كذلك الخلاف حول هذه المسألة ليس مهماً.

نحن جرت عادتنا وتوجهنا في بلدنا هذا (اليمن) على مدى التاريخ، على مدى الزمن الماضي بكله، على الاحتفاء بذكرى المولد النبوي في يوم الثاني عشر، باعتباره التاريخ المعتمد لدينا ولدى علمائنا ولدى مؤرخينا وأصحاب السِيَّر لدينا، والعناية بهذه الذكرى في الماضي كانت تشهد نشاطًا خيريًا يكون فيه اهتمام بالإحسان إلى الناس، وصلة الأرحام… وما إلى ذلك، وهذه عادة حسنة يجب الاستمرار عليها، إضافة إلى الحديث عن المولد، والتذكير بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، والإكثار من الصلاة عليه، والعناية- أيضًا- بالحديث عن سيرته، العناية- أيضًا- بالإشادة بذكره والتعظيم لأمره، كل هذا له أهمية وقيمة عظيمة في الإسلام، وأهمية كبيرة بالنسبة للإنسان المسلم فيما تعززه من علاقة وروابط قوية بنبي الإسلام، يمكن- أيضًا- أن نشير إلى هذا إن شاء الله.

الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” عندما وُلد نشأ يتيمًا، يتيم الأب، أولًا، توفي والده، البعض يقولون أثناء الحمل به، والبعض يقولون بعد ولادته بشهرين، ولكن الكل مجمع على أنه نشأ يتيم الأب، وبعد ولادته بُشّر به جدُّه عبد المطلب، وعبد المطلب كان له شأن كبير، كان له تأثير على مستوى المنطقة العربية بكلها، ويُعظَّم ويُحترم، وكذلك في مكة هو سيد قريش، وكان على حنيفية إبراهيم- كما يُؤثر ويروى- موحِّدًا لله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، وكان له العناية بحفر بئر زمزم بعد أن كانت قد طُمَّت منذ فترة تاريخيه طويلة، واستخراج مائها من جديد، وعناية كبيرة بشؤون الحج ومكة، وما إلى ذلك.

عبد المطلب عندما بُشِّر بهذا المولود الجديد كان على انتظار لهذا الموعد، وكان- كما يبدو من كثيرٍ من الأخبار والآثار- مؤمَّلًا ومستبشرًا في هذا المولود، باعتبار أن هناك مؤشرات، والبعض كانوا تحدثوا إليه، وكانوا يرون فيه علامات تدل على أن من نسله من سيكون له شأنٌ عظيم، بأن يجعله الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” خاتم الأنبياء، فربما كان توقعه إلى هذا المستوى؛ أن يكون هذا المولود هو النبي الموعود، أو بالحد الأدنى أن لهذا المولود شأنًا عظيمًا وكبيرًا جدًّا؛ لاعتبارات وعلامات وإرهاصات، وسنة الله “جلَّ شأنه” مع أنبيائه أن يحيطهم في ما قبل ولادتهم وأثناء ولادتهم وأثناء نشأتهم بوضع خاص وعناية خاصة تهيئ لهم دورهم المستقبلي العظيم والكبير، عندما- مثلًا- نقرأ في القرآن الكريم عن ولادة عيسى “عليه السلام”، ولادة موسى “عليه السلام”، نشأة إبراهيم… إلى غير ذلك. الكل أحيط بعناية خاصة، موسى “عليه السلام” أحيط بعناية خاصة، وأوحى الله إلى والدته في ترتيبات لضمان حمايته من القتل، إلى غير ذلك، وأُعْلِمَت وأخبرت أمه من الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” بأن مولودها هذا رسولٌ ونبيٌ عظيم، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص: من الآية7]، أخبرت أمه بذلك، أخبرها الله، أوحى إليها، الملائكة أيضًا في قصة عيسى “عليه السلام” تخاطبت مع والدته مريم الصديقة “عليها السلام”، كلَّمتها الملائكة وحدَّثتها وبشرتها بأن الله سيجعل لك هذا الولد معجزةً: بولادته من غير أب، وسيكون له شأنٌ عظيم، وهو رسول من الله ،{وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[آل عمران: من الآية45]، {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}[آل عمران: من الآية46]، ابنك هذا هو كذا وكذا وله شأنٌ عظيم، فبالتأكيد يحاطون بعلامات، وأحيانًا بأكثر من مسألة العلامات، كما في قصة موسى وعيسى بوحي مباشر وخطاب صريح وواضح، كما تحدثت الملائكة مع مريم، وكما أوحى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” وحيًا مؤكدًا وحقيقيًا إلى أم موسى “عليه السلام”: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}[القصص: من الآية7].

فهذه العلامات التي أحيطت بما قبل ولادة النبي وحين ولادته، قالوا أنه لوحظ عدة إرهاصات، تسمى- بحسب التعبير في السِيَّر- إرهاصات: يعني علامات ممهدة ومُهيِّئةٌ للذهنية العامة أن هذا المولود القادم له شأنٌ خاص، له دورٌ مهم، له شأنٌ عظيم، له دورٌ كبير، تهيأ حتى في الذهنية، وهذه حكمة من الله ورحمة من الله، والله هو أحكم الحاكمين، [ما بن تجي المسألة؛ ارجع يجي بشخص فجأة، يأتي هذا الشخص، ليس هناك أي مقدمات ولا تمهيد ولا اعتبار ولا أي شيء، قال رسول دفعة وحدة، رسول من الله]. |لا|، تَميُّز، اعتبارات كثيرة تساعد الناس على التقبل، وتقيم الحجة عليهم في نفس الوقت، عبد المطلب ذهب مستبشرًا وفرحًا، وأخذ هذا الطفل المولود وذهب به إلى الكعبة تبركًا وتيمنًا وتقربًا إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” بالدعاء هناك، وحَمِدَ الله بأن هذه نعمة كبيرة عليه أن يرزقه الله بحفيد سيكون خاتم الأنبياء، وسيكون سيد الرسل، وسيكون أعظم وأكمل وأرقى إنسانٍ وجد في البشرية منذ آدم إلى نهاية البشرية، شرف كبير، حَمِدَ الله، واستعاذ بالله على هذا المولود من كل الحاقدين والحاسدين في أبيات شعرية تذكر في السيّر.

عني به جده عبد المطلب عناية كبيرة من حيث التربية والاهتمام والتفقد والرعاية، وهذه- أيضًا- نعمة من الله، من الأشياء المهمة أنه ينبغي أن لا يغيب في الذهنية ولا عن الحديث ربط كل هذه الرعاية التي أحيط بها رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أنها رعايةٌ من الله، وأنها رحمة من الله، وأنها- كذلك- نعمة من الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى}[الضحى: الآية6]، الله هو الذي آواه، الله هو الذي هيأ له جَدًا بمثل شخصية عبد المطلب فيما كان عليه من رشد، ونضج، وفكر، وسمو، وشرف، ومنزلة رفيعة، واهتمام كبير، يقدِّر هذا الطفل، يقدر هذا المولود، يدرك عظمة وأهمية هذا المولود، وفعلًا التاريخ يحكي كيف كان يتعامل عبد المطلب مع هذا الطفل في طفولته المبكرة؛ لأن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” حينما بلغ عمره ست سنين- أيضًا- توفيت والدته، فأصبح يتيمًا من جهة الأبوين (الأب والأم)، لكن بقي يحظى بهذه العناية الكبيرة جدًّا من جده عبدالمطلب، وقامت- أيضًا- بدورٍ كبير في العناية به في مرحلة طفولته المبكرة فاطمة بنت أسد (زوجة أبي طالب)، قال عنها “صلوات الله عليه وعلى آله”: (إنها كأمي، أو إنها أمي) كان يعتبرها كأمه؛ فيما أولته من عناية ورعاية واهتمام في طفولته، فالله يهيئ لأنبيائه ورسله رعاية خاصة وعناية كبيرة تساعد على تأهيلهم نفسيًا ومعنويًا، ومن كل الجوانب، للدور الكبير والمسؤولية الكبيرة التي سيتحملونها في المستقبل.

عندما كان رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في طفولته، ما بعد الست سنوات، كان يعتني به جده عبد المطلب عناية كبيرة جدًّا، وكان يدنيه ويقربه ويكرمه لدرجة ملفتة، كان يأتي رسول الله في طفولته المبكرة إلى جده عبد المطلب وهو بفناء الكعبة، وقد فرش له هناك وكان لا يفرش لغيره، لكن لشأنه ومكانته الكبيرة، فيأتي ليجلس مباشرةً بجواره، أو في حضنه، فيذهب أعمامه ليأخذوه، فيقول: (دعوه، دعوا ابني فو الله إن له لشأنًا) يتوسم فيه أن له شأناً عظيماً، كذلك رويت أخبار ورؤى كان يراها عبد المطلب في منامه تبشر بهذا الدور الكبير والعظيم لهذا الطفل الناشئ.

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الخامسة من محاضرات المولد النبوي الشريف 1439هـ

قد يعجبك ايضا